بعض الإستفتاء لدين الإسلامية

 الدجاج المذبوح واللحوم المستوردة من بلاد أجنبية

موقع القرضاوي
آخر تحديث:10:42 (مكة) الخميس 15 ربيع الثاني 1422هـ -2001/07/05م
الخميس, 05 يوليوز 2001 18:42 موقع القرضاوي

س: ما حكم أكل الدجاج واللحوم المحفوظة التي تستورد من الخارج ؟

ج: إن الدجاج واللحوم المحفوظة التي تأتي من الخارج أنواع : منها ما يأتي من عند أهل الكتاب ، وهؤلاء قد أباح القرآن أكل طعامهم وذبائحهم ، قال تعالى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم ) المائدة :5 .
ولكن بعض المسلمين يشترطون أن يكون قد عرفوا طريقة الذبح وأنه قد ذكر اسم الله عليه والبعض الآخر يتساهل في ذلك ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله بعضهم فقالوا : يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم ، ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ، فقال : ( سموا الله عليه وكلوا )(رواه البخاري .) .
وقد أخذ بعض العلماء من هذا قاعدة هي أن ما غاب عنا لا نسأل عنه ، فنحن لا نسأل عما غاب عنا . إنما إذا عرفنا الطعام أنه من أهل الكتاب أكلناه وسمينا الله عند الأكل وكفى بهذا .
أما ما يأتي من عند الشيوعيين فهذا أمر آخر ، ذلك أن للتذكية شروطًا : بعض هذه الشروط في موضع الذبح ، وبعضها في آلة الذبح وبعضها في الذابح نفسه ، فليس كل ذابح تحل ذبيحته ، إنما الذي أجازه الشرع هو ذبيحة المسلم أو الكتابي . وبعضهم أدخل من كان له كتاب فرفع ، مثل المجوس ، وإن كان جمهور الفقهاء لا يجيزون ذبح المجوس أيضًا . وقد ورد فيهم حديث للرسول صلى الله عليه وسلم : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم ) .
الفقرة الأخيرة من الحديث : ( غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم ) جاءت بسند ضعيف ، لهذا لم يأخذ بها أبو ثور وابن حزم وغيرهما ، فأجازوا أن يأكل المسلم ذبيحة الكتابي ومن كان عنده شبهة كتاب كالمجوسي.
والذي نؤكده أنه لا يجوز ذبيحة أي ذابح ، إنما يشترط في الذابح أن يكون مسلمًا أو مؤمنًا بكتاب سماوي ، ذلك أن الذبح هو إزهاق لروح خلقها الله عز وجل وهذا الإزهاق ، ليس مأذونًا به من قبل الله إلا لمن آمن به ، وآمن بأن له وحيًا ، وآمن بأن هناك آخرة . وذلك هو المسلم والكتابي .
أما الذي ينكر الله ويجحد رسالاته ولا يعترف لله بسلطان أي سلطان فهذا لم يعطه الله الحق أن يذبح مخلوقًا أو كائنًا حيًا ، أو يزهق روح حيوان ما ، ليس له هذا الحق ، وليس عنده هذا الإذن .
ولهذا حين يذبح المسلم يقول : باسم الله والله أكبر .
أي أنني أذبح وأزهق هذه الروح مأذونًا من الله ، عندي تصريح إلهي بإزهاق هذه الروح . وهذا الكائن الحي أقتله باسم الله . أما الذي لا يعترف بالله إطلاقًا فكيف يباح له هذا، وكيف يمنح هذا الحق، وكيف يعطى هذه الرخصة ؟ ولم يعطه الله ذلك . ولهذا فالمرتد والملحد ، الذي لا يؤمن بالله ولا برسالاته ولا بأي دين سماوي ولا بأي كتاب أنزله الله ، ولا بأي نبي مرسل من الله ، كالشيوعي ، هذا لا تحل ذبيحته بالإجماع .
ومن هنا لا يجوز للمسلمين أن يأكلوا هذا الدجاج واللحوم التي ترد من عند الشيوعيين ، فهي قد ذبحها قوم ينكرون الله عز وجل .
الأصل فيها ذلك . قد يوجد هناك مسلمون ، أو نصارى ، إنما الأصل ، أن هذا المجتمع ، مجتمع قائم على حرب الدين ، وعلى حرب الله ، وعلى إنكار الوحي ، وإنكار الأديان ، وعلى اعتبار الأديان مخربة ومعوقة ومخدرة للشعوب ، لهذا ينبغي لأهل الأديان عامة ، وينبغي للمسلمين خاصة أن يردوا لهم ذبائحهم ويقولوا لهم : ليس من حقكم أن تذبحوا ولا أن تقتلوا هذه الأرواح ، ولا هذه الكائنات الحية ، فلم يعطكم الله هذا الحق .
هذا ما أفتي به وأنا مطمئن في هذا الجانب .
فلا يجوز للباعة والتجار المسلمين أن يستوردوا هذه الأنواع من اللحوم والدجاج وكذلك للمستهلكين ، لا يجوز لهم أن يستهلكوها وينتفعوا بها . وبالله التوفيق .
------------------------------------------------------------------------------------
( ويل للذي يحدِّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له، ويل له )
موقع القرضاوي

س: دق جرس الهاتف ، فكانت مكالمة من أحد الأصدقاء ، يسوق إلي فيها خبرًا آلمني وأزعجني ، ورآني أهلي وأولادي ، فأخبرتهم الخبر فاغتموا لغمي ، وما هي إلا ساعة زمن ، حتى اتصل الصديق نفسه مرة أخرى ، ليبلغني أن الخبر لا أساس له . وإنما هي كذبة أول نيسان ( أبريل ) . فقلت له : إن هذا حرام ولا يجوز ، لكنه قال : لم يقصد إلا المداعبة والمزاح على عادة الناس في مثل هذه المناسبة .
فما رأيكم في مجاراة مثل هذا التقليد ، وتكدير الناس بأخبار غير صحيحة ، وإن كان المقصود منها المداعبة ؟ وهل يسوغ مثل هذا العمل شرعًا ؟

ج: الكذب خلق سيء ، ورذيلة من أعظم الرذائل التي يراها الشرع الإسلامي مجافية للإيمان ، ويعتبرها إحدى آيات النفاق .
ولم يجز الشرع الكذب إلا في حالات معينة ذكرناها في فتوى سابقة ، وليس منها الكذب للمداعبة.
بل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب لإضحاك القوم ، فقال : ( ويل للذي يحدِّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له، ويل له .. ) (رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي)
وفي حديث آخر : ( لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة ، والمراء ( الجدل ) وإن كان صادقًا ) (رواه أحمد والطبراني .) كما جاء أكثر من حديث نبوي يحذر المسلم من ترويع أخيه وإزعاجه ، جادًا أو مازحًا .
وروى أبو داود بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل منهم ، فانطلق بعضهم إلى حبل معه ، فأخذه ، ففزع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا " .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة فخفق ( نعس ) رجل على راحلته ، فأخذ رجل سهمًا من كنانته ، فانتبه الرجل ، ففزع . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لرجل أن يروِّع مسلمًا ) (رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات )
وعن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا ) (رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب .) واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الخيانة أن تكذب على من يثق بك ، ويصغي إليك بأذنه وقلبه ، وأنت تكذب عليه . يقول : ( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو به مصدق وأنت له به كاذب ) رواه أحمد والطبراني عن النواس بن سمعان بإسناد جيد كما قال الحافظ العراقي وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود من حديث سفيان بن أسيد وضعفه ابن عدي .
وبهذا يتبين لنا أن الكذب بهذه الصورة ، وبهذه المناسبة خاصة حرام من جهات أربع :
الأولى : حرمة الكذب ذاته ، الذي نهى عنه القرآن والسنة .
الثانية : ما وراءه من ترويع إنسان ، وإدخال الفزع والكدر عليه ساعة من الزمن ، وربما على أسرته معه ، بغير مسوغ ولا حاجة .
الثالثة : ما فيه من خيانة لإنسان هو لك مصدق ، وأنت له كاذب.
الرابعة : مجاراة عادة سخيفة ، وإشاعة تقليد باطل ، لم ينبت في أرضنا ، ولم ينشأ من بيئتنا . فهو تشبيه بغير المسلمين فيما يعد من رذائلهم ، وسخف أعمالهم .
وكثيرًا ما تتضمن كذبة ذلك اليوم إشاعات قد يضر انتشارها بالمجتمع كله .
والخلاصة أن الكذب حرام في كل يوم ، وتزداد حرمته في ذلك اليوم خاصة ، لما ذكرنا من اعتبارات، فلا يليق بمسلم المساعدة على ترويج هذا الزور ، والله الموفق .
---------------------------------------------------------------------------------
 
التصوير في الإسلام
موقع القرضاوي
آخر تحديث:10:42 (مكة) الخميس 15 ربيع الثاني 1422هـ -2001/07/05م
الخميس, 05 يوليوز 2001 18:42 موقع القرضاوي

س: أقتني آلة تصوير، لأقوم بالتصوير بها في وقت المناسبات والرحلات، فهل في التصوير بها إثم أو حرمة ؟.
كما يوجد لدي في غرفة النوم صور لبعض الممثلين من الرجال، وصحف تشتمل على صور للنساء، فهل في وجودها لدي حرج؟ وما حكم ذلك في شرعنا الإسلامي؟

ج: أما التصوير "بالكاميرا" وهي آلة التصوير، فقد ذهب مفتي مصر الأسبق العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، وكان من كبار العلماء، ومفتي عصره، ذهب في رسالة له اسمها "الجواب الكافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي" إلى إباحة هذا التصوير وقال بأن ذلك في الحقيقة ليس عملية خلق كما جاء في الحديث "يخلق كخلقي .." وإنما هو حبس للظل. وما أحسن تسميته بـ"العكس" كما يسميه ابناء الخليج ويسمونه "العكاس" وذلك لأنه يعكس الظل كالمرآه. فهذه العملية، عملية حبس الظل أوعكسه، ليس كما يفعل النحات أو الرسام، ولذا فهو لا يدخل في الحرمة وإنما هو مباح، وقد وافق على فتوي الشيخ محمد بخيت كثير من العلماء، وقد اخترت هذا الرأي في كتابي "الحلال والحرام"..
هذا التصوير كما ذكرت لا شيء فيه، بشرط أن تكون الصورة نفسها التي يلتقطها أو يعكسها حلالا..فلا يصور امرأة عارية أو شبه عارية أو مناظر لا تجوز شرعًا.
وإنما لو صور أبناءه أو أصدقاءه أو مشاهد طبيعية، أو حفلا بريئًا في مناسبة أو غير ذلك.. فهذا لا شيء فيه.
وهناك حالات ضرورية يبيح فيها التصوير حتى أشد المتزمتين، مثل صور الهوية أو جواز السفر أو صور المشبوهين.
أما اقتناء صور الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات، ومن شابههم ، فهذا لا ينبغي لمسلم حريص على دينه .
ما شأن المسلم باقتناء صورة لممثل أو ممثلة أو مغني أو مغنية؟
هذا لا يقتنيه إلا أناس معينون، فارغون، يشغلهم هذا اللون من الصور.
ولكن إذا كان يقتني مجلة أو أكثر فيها صور خليعة للنساء، وهذا مما يستدعي الأسف، خاصة في هذا الزمن حيث جعلت صورة المرأة وسيلة للدعاية لأكبر السلع، وكأنما هي شبكة يصطادون بها العملاء، كأن يصوروا امرأة وهي في مظهر غير لائق تشرب نوعًا من المرطبات كأسلوب للدعاية والإعلان..وهكذا …
والمجلات والصحف تنهج نفس الطريقة، فبدلا من أن تجعل من صورة الشاب أو الشيخ مثلا وسيلة للدعاية لسلعة من السلع، تأتي بصورة فتاة فاتنة أو أكثر من فتاة.
وعلى كل حال، إذا كان الأخ الذي يسأل، يقتني مجلة معينة، لما فيها من ثقافة نافعة، ولا يريد الصورة أو الصور التي فيها، وإنما تأتي هذه الصور عرضًا، فلا بأس، والأفضل أن يتخلص من الصور الخليعة الخارجة عن الأدب، وإن كان لا يستطيع ذلك، فليضعها في مكان غير مرموق، ولا يلفت النظر، وليتخلص منها بمجرد قراءتها.
وبالنسبة لتعليق الصور، فهو غير جائز، لأن الصورة في هذه الحالة توضع موضع التعظيم، وهذا مخالف شرعًا.. لأن التعظيم لا ينبغي إلا لله رب العالمين..
---------------------------------------------------------------------------------
حكمة الموت

السؤال: أرجو أن تبينوا الحكمة في " الموت "، لماذا يموت الناس ؟ فقد قرأت في صحيفة عربية - لكاتب ماتت جدته، ومات صديق له - مقالة يستنكر فيها على القدر إماتة الناس بعد أن استمتعوا بالحياة، ولا يقر بحكمة وراء هذا الأمر، ويحمل على الذين يرضون بالموت إذا وقع، ويعترفون بأنه سنة الله في الحياة، قائلاً: إن هذه فلسفة الأغبياء

جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:

الغبي في هذه القضية هو هذا الكاتب الأحمق المغرور، الذي إن دل كلامه هذا على شيء، فإنما يدل على أنه رخو العود أمام صغريات الحوادث فكيف بكبارها ؟ وأنه سطحي التفكير، ينظر إلى القشر، ولا ينظر إلى اللباب، ويهتم بما يطفوا على السطح لا بما يرسب في القاع، وأنه جاهل بالحياة وبالدين وبالفلسفة جميعًا.

( أ ) لو عرف منطق الحياة لآمن بما آمن به العوام الذين عرفوا بحكم الفطرة، ومنطق التجربة أن الموت هو سنة الحياة . ولرأى ما يقوم به رعاة الحدائق والبساتين من تشذيب الشجر، وقطع بعض فروعه وأغصانه، ليحيا سائر الشجرة وينمو ويثمر، إنه تضحية بالبعض من أجل الكل . وهذا هو قانون الحياة، ولولا هذا القانون ما قدمت أمة فلذات أكبادها، وأعز أبنائها شهداء في سبيل عقيدتها وشرفها فهم يموتون لتحيا الأمة، أي يقطع الفرع ليبقى الأصل حيًا.

(ب) ولو عرف منطق الدين، لعرف أن وراء أمر الموت والحياة سر التكليف والابتلاء، وصهر الإنسان في هذه الدار الفانية ليعد للخلود في الدار الباقية (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً).

لو آمن بمنطق الدين لعلم أن الموت ليس فناء محضًا، ولا عدمًا صرفًا، كما يتصور الجهلة والضالون . إنما الموت هو انتقال من حال إلى حال . ومن طور إلى طور، ومن دار إلى دار، كما قال عمر بن عبد العزيز:. " إنكم خلقتم للأبد، وإنما تنقلون من دار إلى دار ". وقال الشاعر:. وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي.

فالميت في قبره يحيا حياة برزخية، يتلذذ فيها أو يتألم، تمهيدًا لحياة الخلود في الآخرة بما فيها من حسن الثواب أو سوء العذاب.

(جـ) ولو عرف منطق الفلسفة لوقف متأملاً يسائل نفسه مرة ومرة عن حكمة هذا الأمر الخطير، الذي لم يدع كائنًا بشريًا إلا فجعه في حبيب لديه . أو عزيز عليه . ولو فعل لوجد الحكمة أبين من فلق الصبح. ترى ماذا كان يحدث لو لم يكن الموت مكتوبًا على بني الإنسان ؟، لو ظل الناس يتناسلون ويتكاثرون، ولا يموت منهم أحد ؟ وتمضي ألوف السنين وملايينها وهم يزيدون ولا ينقصون ؟. إن الذي نتصوره أن يجتمع العقلاء من الناس في كل بلد أو ناحية، ويفكروا في إعدام عدد منهم في كل عام مثلاً، حتى تخف الزحمة، وتتيسر المعيشة للباقين .

ولكن كيف الاختيار والتعيين: أيكون على كل أسرة أن تقدم من أفرادها عددًا ؟ أم الغرباء هم الذين يختارون العدد المطلوب ؟ أم يكون الاختيار بالقرعة ؟ وكيف يمكن التنفيذ إذا لم يكن الإنسان - بحكم خلقته - قابلاً للموت ؟. إن الموت الطبيعي أراح الناس من هذا كله، وكان في ذلك الخير، كل الخير، لأن الموت في الحقيقة ضرورة للحياة.

يقول الفيلسوف الإسلامي الأخلاقي أحمد بن محمد مسكوية في كتابه: " تهذيب الأخلاق " مبينًا بعض حكمة الموت:. " إنه لو لم يمت أسلافنا وآباؤنا لم ينته الوجود إلينا، ولو جاز أن يبقى الإنسان لبقي من تقدم منا، ولو بقي الناس على ما هم عليه من التناسل، ولم يموتوا لما وسعتهم الأرض.
وأنت تتبين ذلك مما أقول: قدر أن رجلاً واحدًا ممن كان منذ أربعمائة سنة هو موجود الآن، وليكن من مشاهير الناس حتى يمكن أن يحصل أولاده موجودين معروفين كعلي بن أبي طالب عليه السلام مثلاً، ثم ولد له أولاد، ولأولاده، وبقوا كذلك يتناسلون، ولا يموت منهم أحد، كم كان مقدار من يجتمع منهم في وقتنا هذا ؟ فإنك ستجدهم أكثر من عشرة آلاف ألف رجل، وذلك أن بقيتهم الآن مع ما قدر فيهم من الموت والقتل الذريع أكثر من مائتي ألف إنسان، واحسب لكل من كان في ذلك العصر من الناس في بسيط الأرض، شرقها وغربها، مثل هذا الحساب، فإنهم إذا تضاعفوا هذا التضاعف لم تضبطهم كثرة، ولم تحصهم عددًا..
ثم امسح بسيط الأرض فإنه محدود معروف المساحة، لتعلم أن الأرض حينئذ لا تسعهم قيامًا ومتراصين، فكيف قعودًا ومتصرفين، ولا يبقى موضع لعمارة يفضل عنهم، ولا مكان لزراعة، ولا مسير لأحد ولا حركة، فضلاً عن غيرها، وهذا في مدة يسيرة من الزمان، فكيف إذا امتد الزمان، وتضاعف الناس على هذه النسبة ؟ فهذه حال من يتمنى الحياة الأبدية، ويكره الموت، ويظن أن ذلك ممكن أو مطموع فيه، من الجهل والغباوة .
فإذن الحكمة البالغة، والعدل المبسوط بالتدبير الإلهي هو الصواب الذي لا معدل عنه، ولا محيص منه، وهو غاية الجود الذي ليس وراءه غاية أخرى لطالب مستزيد، أو راغب مستفيد، والخائف منه هو الخائف من عدل الباري وحكمته، بل هو الخائف من جوده وعطائه. فقد ظهر ظهورًا حسنًا أن الموت ليس برديء كما يظنه جمهور الناس، وإنما الرديء هو الخوف منه، وأن الذي يخاف منه هو الجاهل به وبذاته . وقد كان ظهر أيضًا فيما تقدم من قولنا أن حقيقة الموت هي مفارقة النفس البدن، وهذه المفارقة ليست فسادًا للنفس، وإنما هي فساد المتركب . فأما جوهر النفس الذي هو ذات الإنسان ولبه وخلاصته فهو باق بحاله " (" تهذيب الأخلاق " لأبي علي أحمد بن محمد مسكويه . تحقيق قسطنطين زريق، ص 215، 216).
هذا بعض ما قاله فيلسوف مثل مسكويه عن سر الموت، وقد أفاض وأطنب في ذلك في كتابه . إن من نكد الدنيا أن كثيرًا ممن يحررون الصحف، ويوجهون الرأي العام، لا يقرأون ولا يتعلمون، وقد ضل من كانت العميان تهديه !. إن هذا الصنف الذي ولول، وشق الجيوب من أجل موت جدته، كيف ينتظر منه أن يقدم نفسه وولده لمعركة في سبيل الله أو في سبيل الشرف. ما دام تقديم الضحايا للموت إنما هو فلسفة الأغبياء ؟ !!.

والله أعلم.
----------------------------------------------------------------------------------


موقع القرضاوي
آخر تحديث:10:42 (مكة) الخميس 15 ربيع الثاني 1422هـ -2001/07/05م
الخميس, 05 يوليوز 2001 18:42 موقع القرضاوي

س:
هل تجوز صلاة مسلم في كنيسة، إذا لم يجد مكانا يصلي فيه غيرها، كما لو كان في بلد أوروبي مثلا… أفيدونا؟

ج: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، -وذكر في هذه الخمس- فقال: وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)(في الصحيحين من حديث جابر) ولهذا تعتبر جميع الأرض مسجدا للمسلم، وموضعا لسجوده وصلاته، يجوز أن يصلي فيه، وإن كان الأولى أن تبعد عن مثل هذه الأماكن خشية الشبهة. ولكن حيث لم يجد مكانا إلا هذا المكان وصلى فيه فكل الأرض لله، وكل الأرض مسجد للمسلمين. وقد كاد عمر رضي الله عنه أن يصلي في كنيسة القيامة حينما قيل له: صل. فقال: لا. لا أصلي هنا حتى لا يأتي المسلمون من بعدي ويقولون: هنا صلى عمر ويتخذون منها مسجدا للمسلمين. فيجعل المانع له هو خشية هذا الأمر فقط لا مجرد الكنيسة.
والله أعلم.
 
...